الفكر الإسلامي

 

 

غزوة بدر

من النعاس والمطر إلى القتال مع الملائكة

 

 

 

بقلم :  الدكتور عبد الرحمن العدوي

 

     روى الإمام مسلم عن ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : كان يوم بدر نظر رسول الله إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله القبلة، ثم مد يده فجعل يهتف بربه ويقول : اللهم انجز لي ما وعدتني ، اللهم انجز لي ما وعدتني ، الله إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف بربه مادًا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه ، وقال يانبي الله!! كفاك مناشدتك ربك . فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله عز وجل :

     ﴿إِذْ تَسْتَغِيْثُوْنَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ مُرْدِفِيْنَ﴾ . سورة الأنفال آية:9 .

     فأمده الله بالملائكة ..

     وقد ظهر تأييد الله لأهل بدر بالنعم المتوالية التي أنعم بها عليهم والتي ذكرتها الآيات الكريمة من سورة الأنفال في قوله – تعالى – .

     ﴿إِذْ يُغَشِّيْكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِه وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوْبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾. سورة الأنفال – آية : 11 .

     أولا : ألقى الله عليهم النعاس في الليلة التي كان القتال في صبيحتها ، وكان هذا النعاس عجبًا في ليلة ينتظرون القتال في صبيحتها ولكن الله ربط جأشهم ، ولذلك أمتن عليهم ونزلت الآية تذكرهم بهذه النعمة .

     ومن العلماء الذين تكلموا عن نعمة النعاس التي ساقها الله للمؤمنين قبل المعركة الإمامان فخر الدين الرازي والشيخ محمد عبده .

     قال الإمام الرازي ما ملخصه : واعلم أن كل نوم ونعاس لا يحصل إلا من قبل الله – تعالى – فتخصيص هذا النعاس بأنه من الله لابد فيه من مزيد فائدة .. وذكروا في ذلك وجوها منها ؛ أن الخائف إذا خاف من عدوه فإنه لا يأخذه النوم ، وإذا نام الخائفون أمنوا ، فصار حصول النوم لهم في وقت الخوف الشديد يدل على إزالة الخوف وحصول الأمن .

     ومنها : أنهم ما ناموا نوما غرقا يتمكن معه العدو من معافصتهم – مهاجمتهم – بل كان نعاسًا يزول معه الإعياء والكلال ، ولو قصدهم العدو في هذه الحالة لعرفوا وصوله ولقدروا على دفعه ، ومنها : أنه غشيهم هذا النعاس دفعة واحدة مع كثرتهم ، وحصول النعاس للجمع العظيم في الخوف الشديد أمر خارق للعادة . فلهذا السبب قبل : إن ذلك النعاس كان في حكم المعجز(1).

     وقال الإمام محمد عبده : لقد مضت سنة الله في الخلق بأن من يتوقع في صبيحة ليلته هو لا كثيرًا ومصابًا عظيمًا ، فإنه يتجافى جنبه عن مضجعه فيصبح خاملاً ضعيفًا . وقد كان المسلمون يوم بدر يتوقعون مثل ذلك ، إذ بلغهم أن جيشًا يزيد على عددهم ثلاثة أضعاف سيحاربهم غدا ، فكان من مقتضى العادة ألا يناموا ، ولكن الله رحمهم بما أنزل عليهم من النعاس الذي غشيهم فناموا ، واثقين بالله مطمئنين لوعده ، وأصبحوا على همة ونشاط في لقاء عدوهم وعدوه – فالنعاس لم يكن يوم بدر في وقت الحرب إلى قبلها(2).

     ثانيا : أنزل الله على المؤمنين مطرا من السماء ليطهرهم به من الحدثين : الأصغر والأكبر، فإن المؤمن – كما يقول الإمام الرازي – يكاد يستقذر نفسه إذا كان جنباً ، ويغتم إذا لم يتمكن من الاغتسال ، ويضطرب قلبه لأجل هذا السبب . وهذا تطهير حسي .

     وليذهب عنهم رجز الشيطان ووسوسته لهم وتخويفه إياهم من العطش عند فقدهم الماء وإلقاؤه في نفوسهم الظنون والأوهام.. وهذا هو التطهير الباطني.

     وليربط على قلوبهم ويقويها بالثقة في نصر الله ويبعث فيها الطمأنينة فإن وجود الماء في حوزتهم يزيدهم قوة على قوتهم وثباتًا على ثباتهم .

     وليثبت به أقدامهم ، فقد أصلح الله بالمطر الأرض تحت أقدامهم فصار مشيهم عليها سهلاً ميسورًا بعدما كانت أقدامهم تسيخ في الرمال وكان سيرهم عليها شاقًا وعسيرًا .

في رحاب الآية

     هذا ، وقد وردت آثار متعددة توضح ما اشتملت عليه هذه الآية الجليلة من نعم عظيمة ، ومن ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : نزل النبي – – يعني حين سار إلى بدر – والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة – أي كثيرة مجتمعة – فأصاب المسلمين ضعف شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس بينهم ؛ تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله ، وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم تصلون مجنبين؟ فأمطر الله عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا ، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان ،وثبت الرمل حين أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب ، فساروا إلى القوم(3).

     وعن عروة بن الزبير قال : بعث الله السماء وكان الوادي دهسا فأصاب رسول الله – – وأصحابه ما لبدلهم الأرض ولم يمنعهم من المسير، وأصاب قريشا مالم يقدروا على أن يرحلوا معه(4).

     ومن هذا القول المنقول عن عروة – رضي الله عنه – نجد أن المطر كان خيرا للمسلمين وشرا على المشركين ، لأن المسلمين كانوا على أرض يصلحها المطر وكان المشركون على أرض يفسدها المطر ويؤذيهم فيها . فضلاً من الله على المؤمنين ، ونكالاً ووبالاً على المشركين .

     ثالثا : أمد الله المسلمين بالملائكة وأوحى إليهم أن يثبتوا الذين آمنوا وجعل ذلك بشرى النصر والظفر للمؤمنين وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم .

     وقد ذكرت الآيات الكريمة هذه النعمة العظيمة في قول الله تعالى :

     ﴿إِذْ يُوْحِىْ رَبُّكَ إلَىالمَلاَئِكَةِ أَنِّىْ مَعَكُمْ فَثَبِّتُوْا الَّذِيْنَ آمَنُوْا سَأُلْقِىْ فِي قُلُوْبِ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوْا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوْا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوْا اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيْدُ العِقَابِ﴾ . سورة الأنفال – آية : 12 .

     لقد كان إمداد الله للمؤمنين بالملائكة وإخبارهم بذلك من أعظم بشريات الله لهم في هذه المعركة التي يصطدم فيها جماعة صغيرة من المؤمنين بأضعافهم من المشركين ، وكان لهذه البشرى أثرها في اطمئنان المؤمنين وثقتهم في نصر الله لهم .

     ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرٰى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوْبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إنَّ اللهَ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ﴾. سورة آل عمران – آية : 126 .

     وللمسلم أن يتساءل في هذا المقام عن وظيفة الملائكة في بدر ، أكانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين فحسب ؟ أم أنهم بجانب ذلك قاتلوا فعلاً معهم في هذه المعركة ؟.

     ويرى بعض العلماء أن الملائكة قاتلوا فعلاً مع المؤمنين ويستدلون على ذلك بأدلة منها :

     1- ما جاء عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وقائلاً يقول : أقدم حيزوم . فخر المشرك مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم وشق وجهه ، فجاء وحدث رسول الله – – فقال : صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة .

     2- وروى عن عبد الله بن مسعود أن أبا جهل سأله يوم بدر من أين كان ذلك الصوت الذي كنا نسمعه ولا نرى شخصا ؟ فقال : من الملائكة. فقال له أبوجهل: هم إذن هزمونا لا أنتم.

     3- قال القرطبي : وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت ، ومن ذلك قول أبي أسيد بن مالك بن ربيعة وكان شهد بدرا : لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب – أي الطريق في الجبل – الذي خرجت منه الملائكة . لا أشك ولا أمارى .

     4- وعن سهل بن حنيف قال : لقد رأيتنا يوم بدر إن أحدنا يشير بسيفه إلى رأس المشرك فتقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه(5).

     هذه أهم الروايات التي استند إليها العلماء الذين يرون أن الملائكة قاتلوا مع المؤمنين في يوم بدر، وعلى رأس هؤلاء العلماء القرطبي ، فهو يرى أن هذا هو الصحيح وإنه رأي الجمهور .

مع الرأي الآخر

     أما الفريق الآخر من العلماء فيرى أن الملائكة لم تقاتل يوم بدر، وإنما كانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين في المعركة ، وتقوية أرواحهم وقلوبهم واستدلوا على ذلك بأدلة من أهمها :

     1- انه ليس في الآيات القرآنية التي تحدثت عن غزوة بدر آية واحدة صريحة في أن الملائكة قد قاتلت بالفعل ، وإنما الآيات صريحة في أن الله – تعالى – قد أمد المؤمنين بالملائكة وجعل هذا الإمداد بشارة لهم .

     2- إن بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن غزوة بدر قد وضحت وظيفة الملائكة توضيحًا تامًا، ومن ذلك قوله – تعالى – :

     ﴿إِذْ يُوْحِيْ رَبُّكَ إِلَى المَلاَئِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوْا الَّذِيْنَ آمَنُوا سَأُلْقِيْ فِيْ قُلُوْبِ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا الرُّعْبَ﴾. سورة الأنفال – آية : 12 .

     قال ابن جرير في معنى : ﴿فثبتوا الذين آمنوا﴾ قووا عزمهم وصححوا نياتهم في قتال أعدائهم من المشركين .

     وقال الفخر الرازي : واختلفوا في كيفية التثبيت على وجوه :

     الأول : انهم عرفوا الرسول – – أن الله ناصر المؤمنين ، والرسول عرف المؤمنين ذلك . فهذا هو التثبيت .

     الثاني : أن الشيطان كان يمكنه إلقاء الوسوسة إلى الإنسان فكذلك الملك يمكنه إلقاء الإلهام إليه . فهذا هو التثبيت في هذا الباب .

     الثالث : أن الملائكة كانوا يتشبهون بصور رجال من معارفهم وكانوا يمدونهم بالنصر والفتح والظفر(6).

     3- أما قوله – تعالى – :

     ﴿فَاضْرِبُوْا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوْا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ سورة الأنفال – آية : 12 .

     قال ابن جرير : والصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله أمر المؤمنين معلما إياهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف . أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل(7).

     وقال الفخر الرازي : «فاضربوا فوق الأعناق» فيه وجهان : الأول إنه أمر للملائكة متصل بقوله – تعالى – : ﴿فثبتوا﴾ .

     والثاني : قيل : بل للمؤمنين وهذا هو الأصح لما بينا أنه – تعالى – ما أنزل الملائكة من أجل المقاتلة والمحاربة(8).

     4- ان الروايات التي استند إليها من قال إن الملائكة قاتلت مع المؤمينين في بدر لم ترد في كتب السنة المعتمدة ، بل لم يذكر معظمها الإمام ابن جرير مع علمنا باهتمامه بالمرويات في تفسيره . وفضلا عن ذلك فإن أكثر هذه الروايات لم تصرح بأن الملائكة قد قاتلت .

     فرواية ابن عباس جاءت عن رجل مبهم لم يذكر اسمه وابن عباس كان صغيرا لم يحضر بدرا فحديثه مرسل ذكره الألوسي وغيره بغير سند، وكل رويات ابن عباس عن غزوة بدر مرسلة ولو جاءت في كتب الصحيح من الحديث .

     وما رواه ابن مسعود من قول أبي جهل: هم إذن غلبونا لا أنتم . فهو من باب الاعتذار عن هزيمتهم والتهوين من شأن المؤمنين وأنهم ليسوا أهلا لهزيمة جيش المشركين وقتل أمثاله من الجبابرة والطغاة.

     ورواية أسيد بن مالك وكذلك رواية سهيل بن حنيف ليس في إحداهما تصريح بأن الملائكة قاتلوا مع المؤمنين أو أن المشرك الذي أراد سهيل قتله سبقه الملك إليه وقتله .

     5- واستبعد كثير من العلماء اشتراك الملائكة في القتال ، ومن هؤلاء العلماء الإمام أبوبكر الأصم فقد قال :

     «إن الملك الواحد يكفي في إهلاك أهل الأرض كما فعل جبريل بمدائن قوم لوط ، فإذا حضر هو يوم بدر – وجميع الروايات تذكر أنه كان على رأس الملائكة – فأي حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار ؟ بل أي حاجة حينئذ إلى إرسال سائر الملائكة ، وأيضًا فإن أكابر الكفار كانوا مشهورين، وقاتل كل منهم من الصحابة معلوم .

     ففي المبارزة – أول قتال في المعركة – خرج ثلاثة من خيرة فرسان قريش وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وأخرج لهم رسول الله – – أكفاءهم ؛ عبيدة بن الحارث ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعلي ابن أبي طالب ، فقتل حمزة شيبة وقتل علي الوليد أما أبوعبيدة فقد اثخن عتبة وأصابه عتبة فقطع رجله ، وكر علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة الذي مات بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر ، فأين الملائكة وقتالهم في أول لقاء بين المؤمنين والمشركين ، ولماذا تركوا المبارزة ولم يتدخلوا لإنقاذ عبيدة من عتبة ؟!!.

     وأبوجهل – فرعون هذه الأمة - ... عنه رسول الله – – كان يحيط به مجموعة من المقاتلين بالسيوف والرماح ويصنعون حوله سياجا كفروع الشجرة الكثيفة ، ومع ذلك لم يخطفه ملك وينكل به أمام المسلمين والمشركين ليكون ذلك حاسمًا في سير المعركة .

     ولكن أبا جهل خلص إليه شابان من شباب الإسلام هما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء فابتدراه بسيفيهما حتى ظنا أنهما قتلاه وقد أصيب معاذ بن عفراء في المعركة واستشهد فيها . ولما انتهت المعركة قال رسول الله – – : من ينظر ما صنع أبو جهل ؟ فتفرق الناس في طلبه ، فوجده عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – وبه آخر رمق ، فوضع رجله على عنقه وقطع رأسه ، وروى عبد الله أن أبا جهل قال له حين علا بقدمه على صدره : لقد أرتقيت مرتقًا صعبًا يا رويعي الغنم !! فهل كانت الملائكة تقاتل بعيدًا عن أبي جهل قائد المعركة وتتركه لشابين حديثي السن يصاب أحدهما وتقطع يده بضربة سيف من عكرمة بن أبي جهل .

     ثم تركت الملائكة أبا جهل وفيه رمق من الحياة إلى ما بعد انتهاء المعركة لولا قول رسول الله – – : من ينظر ما صنع أبوجهل . ووصول ابن مسعود إليه وجز رأسه .

     6- وأمية بن خلف الذي كان يعذب بلالا في مكة – أجاره عبد الرحمن بن عوف ولكن بلالا رآه فصرخ بأعلى صوته : يا أنصار الله . رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا ، فأحاطوا به ، ورغم دفاع عبد الرحمن بن عوف عنه واعتباره أسيره فقد أصابوه وقتلوه ، ولم يخف ملك لمساعدة بلال وقتل الطاغية أمية بن خلف حتى قتله المسلمون .

     7- وبعد هزيمة المشركين في بدر وصلت أخبارها الفاجعة لأهل مكة وعرف بها أبو لهب وكبته الله وأخزاه وكان قد تخلف عن بدر ، ولما وصل أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب إلى مكة قال له أبو لهب : هلم إليّ ، فعندك لعمري الخبر، فجلس إليه والناس قيام عليه ، فقال : يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس ؟ قال : ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم اكتافنا ، يقتلوننا كيف شاءوا ، ويأسروننا كيف شاءوا ، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض ، والله ما تليق شيئا ، ولا يقوم لها شيء .

     هذه شهادة فارس من أجود فرسان مكة وهو أبوسفيان بن الحارث بن عبد المطلب يحكي ما فعله الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم والذي شل حركتهم حين رأوا بأعينهم ما رأوا فمنحوا أكتافهم للمسلمين يأسرون منهم ويقتلون كيف شاءوا .

     وليس في شهادته أن غير المسلمين كانوا يقتلون أو يأسرون ، مع أنه كان قادرًا أن يعتذر لنفسه وقومه بمثل هذا القول لو أن لديه أدنى توهم لذلك .

إنها بشرى واطمئنان قلوب

     8- إن روايات قتال ألف من الملائكة أو أكثر مع المؤمنين في معركة كل حصيلتها قتل سبعين مشركا وأسر سبعين – فيها قلب للحقائق فالله تعالى يقول :

     ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرٰى وَلِتَطْمَئِنَّ بِه قُلُوْبُكُمْ﴾ . سورة آل عمران – آية : 126 .

     وتقول هذه الروايات : بل جعله مقاتله ، وإن هؤلاء السبعين الذين قتلوا من المشركين لم يمكن قتلهم إلا باجتماع ألف أو ألوف من الملائكة عليهم مع المسلمين الذين خصهم الله بما ذكر من أسباب النصر المتعددة .

     ألا إن في هذا من تعظيم شأن المشركين ، وتكبير شجاعتهم وتصغير شأن أفضل أصحاب الرسول وأشجعهم مالا يصدر عن عاقل ، إلا وقد سلب عقله لتصحيح روايات باطلة لا يصح لها سند(9).

     إن معركة بدر قد أيد الله فيها أولياءه بقيادة رسول الله المصطفى محمد – – وأمدهم بالملائكة يثبتونهم ويقوون عزائمهم في القتال وألقى في قلوب الذين كفروا الرعب ، وعلم المؤمنين كيف يقاتلون أولياء الشيطان ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون .

     إنها معركة نصر الله فيها الحق وجنده وأزهق فيها الباطل وأهله .

الهوامش :

(1)          تفسير الفخر الرازي ج7 ص 454 دار الغد العربي.

(2)          تفسير المنار ج4 ص 185 .

(3)          تفسير ابن جرير ج9 ص 195 .

(4)          تفسير ابن كثير ج2 ص 293 .

(5)          تفسير القرطبي ج4 ص 192 .

(6)          تفسير الفخر الرازي ج7 ص 457 .

(7)          تفسير ابن جرير ج9 ص 197، 198 .

(8)          الفخر الرازي ج7 ص 458 .

(9)          تفسير المنار ج9 ص 565 .

 

*  *  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . شعبان – شوال 1426هـ = سبتمبر – نوفمبر 2005م ، العـدد : 8–10 ، السنـة : 29.